من مظاهر سماحة الأسلام وعدم إكراه الناس على الدخول في الإسلام :
السماحة واليسر في الطهارة والصلاة :
أولاً : الطهارة : فمن سماحة الإسلام ويسره أنه جعل الأصل في الأشياء الطهارة والإباحة حتى لا يقع المسلم في المشقة والحرج.
فالأصل في الماء أنه طاهر مثل : ماء البحر، الأودية والأنهار، والآبار كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الماء طهور لا ينجسه شيء ". رواه أبو داود والترمذي والنسائي وصححه الألباني في الإرواء .
إلا أن يتغير ريحه، أو طعمه،أو لونه، بنجاسة تحدث فيه.
والأصل في الأرض أنها طاهرة، لقوله صلى الله عليه وسلم :" جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ".
ويباح أيضاً استعمال آنية الكفار ما لم يتيقن عدم طهارتها؛ لأن الأصل الطهارة .
ومن سماحة الإسلام أنه شرع الطهارة على أكثر من صفة، فقد ثبت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل أعضاء الوضوء مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً وثلاثاً، وكل هذا سنة، والأفضل أن ينوع، إحياء وتطبيقاً للسنة . كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة.أخرجه البخاري .
وفي حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين. أخرجه البخاري .
وثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثاً.
ومن يسر الإسلام أنه شرع التيمم في حالة عدم وجود الماء في الحضر أو السفر؛ أو إذا خاف باستعمال الماء الضرر بمرض أو تأخر برئه . قال تعالى { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ}، أو إذا عجز عن استعمال الماء كمن لا يستطيع الحركة، وليس عنده من يوضئه، وخاف خروج الوقت ، أو منعه الكفار من الوضوء ونحو ذلك لقوله تعالى { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا}.
ومن السماحة واليسر وَضْعُ ما يناسب من الأحكام لكل حالة مما يحقق المصلحة وينفي المشقة والحرج . فشرع المسح على الخفين ونحوهما والمسح على الرأس . عن عمرو بن أمية رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته وخفيه.رواه البخاري .
وكذلك على الجبيرة أو جرح يضره الغسل كما في قصة الرجل الذي أصابته شجة في رأسه فاغتسل فمات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما كان يكفيه أن يعصب خرقة ويمسح عليها ويغسل سائر جسده ".رواه أبو داوود وابن ماجة . وذلك تخفيفاً من الله تعالى على عباده، ودفعاً للحرج عنهم.
ومن يسره ورحمته أنه زاد مدة المسح للمسافر على المقيم ضعفين؛ مراعاة لحاله وظروفه فشرع لكلٍ ما يناسبه . فمدة المسح للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن . عن علي رضي الله عنه قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم. رواه مسلم .
ثانياً : الصلاة : الصلاة أول عبادة فرضها الله على عباده في مكة، وقد تضمنت هذه الفريضة كثيراً من ألوان العبادة، من ذكر الله وتلاوة كتابه، والوقوف بين يديه عز وجل، والركوع، والسجود والدعاء وغيرها.
ومن السماحة واليسر أن الله سبحانه وتعالى فرض الصلاة بالتدريج رحمة بعباده وشفقة عليهم . عن عائشة رضي الله عنها قالت : فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة في السفر وزيد في صلاة الحضر. رواه البخاري .
ومن اليسر والسماحة أن الصلوات خمس في العدد وخمسون في الميزان. كما في مسلم :" أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي وأجزي بالحسنة عشر أمثالها ".
ومن مقتضى الطبيعة البشرية أن الإنسان معرض للسهو والنسيان، والشيطان حريص على إفساد صلاته بزيادة أو نقصان أو شك، فجاءت تعاليم الإسلام رافعةً للحرج والمشقة بعيدة عن الغلو والتشديد؛ فمن يسر الإسلام وتيسيره أنه لم يأمر بإعادة الصلاة ، بل شرع سجود السهو إرغاماً للشيطان، وجبراً للنقصان، وإرضاءً للرحمن.
ومن اليسر والسماحة أن الله تعالى شرع لأهل الأعذار أحكاماً تناسب أحوالهم وظرفهم،والمتأمل في صفات صلاة أهل الأعذار، وكيفيتها، يقف على كثير من الأمور المهمة : وفي مقدمتها مكانة الصلاة وأهمية صلاة الجماعة، حيث لم يسقطا في أحرج الظروف والأحوال، فأوجبها على العبد مهما كان حاله من الأمن والخوف، أو الصحة والمرض، أو الحضر والسفر؛ وشرعها بصورة تناسب مع حاله.
فللأمن صلاة وللخوف صلاة شرعت بصفات عديدة.
وإذا اشتد الخوف صلوا رجالاً وركباً إلى القبلة وإلى غيرها. لقوله تعالى { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ *فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً } وكلٌ يصلي لنفسه، فيومئ بالسجود، ويحاول استكمال الواجبات وما أشبه ذلك حسب استطاعة. لقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم". متفق عليه .
والمريض تسقط عنه الجماعة ويسقط عنه القيام، فيصلي جالساً فإن لم يستطع فيصلي على جنبه ويصلي حسب استطاعته ، قال تعالى { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } . وقال صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين رضي الله عنه :" صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب ". رواه البخاري .
ويجوز للمريض أن يجمع بين الصلاتين، إذا كان يشق عليه الصلاة في كل وقت على حدة أو كان يشق عليه التطهر لكل وقت .. فيجمع الظهرين في وقت إحداهما، والعشاءين في وقت إحداهما. قال تعالى { ُيرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } .
والمسافر يجوز له الجمع التقديم أو التأخير، ويفعل الأرفق به، ففي حديث معاذ رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يصليها في وقت العصر جمعاً، وإذا ارتحل قبل أن تغرب الشمس أخر المغرب حتى ينزل لوقت العشاء حتى يصلي المغرب والعشاء تأخيراً .رواه مسلم .
ويشرع للمسافر أيضاً قصر الصلاة الرباعية من أربع إلى ركعتين؛ فعن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر رضي الله عنه { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} . فقد أَمِنَ الناس!، فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: " صدقة تصدق الله بها عليكم، فأقبلوا صدقته ".رواه مسلم .
ومن السماحة والرحمة أن الله تعالى كتب للمريض والمسافر من الأعمال مثل ما كان يعمل في حال الصحة والإقامة. عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " إذا مرضَ العبدُ أو سافرَ كُتبَ لهُ مثلُ ما كانَ يعملُ مقيماً صحيحاً ". أخرجه البخاري
.