وحلم طفلة
قريبا من هناك ..فتحت نافذتها على مصراعيها.. تدعو النسائم الليلة برحابة أن تتفضل هنا..فتدخل تلك بجرأة..لتطأ أرضها الآمنة ..فتحرك الستائر..و خصلات شعرها الثائر ..
و تنثر أوراقها ..لتلملم هي بقايا شتاتها..بأحرف تخطها من الصميم ..تلفظها أنامل حالمة..فلا يرد صمت الورق صداها ..
وحدي والليل الحزين وصمت يفتح أبواب الحنين يرسم صور اللقاء كبريق نجم يقاوم الخمول أو كرقة جناح طائر يحتضر
احضن نفسي وأطوق رقبتي بذراعي وانهمك في نحيب طويل أريد أن اخرج مابداخلي من هموم انتزع كل ما في داخلي من الم وأسلمه ليد النسيان فيقهقه الأمل راسماً علامة الخذلان……
هذه أنا طفلة مثل باقي الأطفال حلمت و حلمت إلى أن تحقق ذلك الحلم، و ياليته لم يتحقق , حلم طفلة أصبح الآن كوابيس, آن أوان الرواية و ابدأها , كان يا مكان في أواخر العصر و الأزمان , كان هنالك فتاة جميلة تبهر الناضر بأخلاقها و جمالها و كرمها و عفتها , كانت مثال الفتاة المسلمة العفيفة , تدعى زينب , و كانت بارة بوالديها و مطيعة لإخوانها و للأكبر سنا منها .
أعجبت الكثير من الطالبات و نالت احترامهم و تقديرهم , حلمها أن تغدو طبيبة تعانق جراح المرضى و تواسيهم , اجتهدت و بذلت ما بوسعها لتحقيق حلم الطفولة , ها هي الآن تجلس و بيدها كتاب ديني يتحدث عن الرسل و الصحابة الأفاضل ,و بجانبها الطالبات يستمعن إلى قراءتها , صوتها المخملي يتغلغل إلى صميم القلب لتصبح القصة واقعية , و ما أن كاد يدق الجرس أردفت زينب قائلة: يا الله سبحانك اللهم إن هذه القصص حقا يجب أن تقرأ و تطبق .
أجابتها صديقتها المفضلة بالإيجاب : حقا يا زينب إن هذه القصص تعلمنا الكثير و الكثير و من واجبنا أن نحث الطالبات على قراءتها
قالت زينب: نعم , و لكن كيف و الطالبات لا يبالين بهذه القصص , دعيني أفكر قليلا لعلي أجد طريقة تشجعهم على المواظبة على هذه الكتب و ..................
وما أن كادت تكمل جملتها حتى أعلن جرس المدرسة عن انتهاء اليوم الدراسي
زينب : أراكن غدا إلى اللقاء
الطالبات : الی اللقاء , مع السلامة
في الغد تطل زينب كعادتها بهدوئها و عفتها لتجلس بجاب صديقتها مريم : السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
مريم بكسل : و عليكم السلام ورحمة الله و بركاته, أراك تاخرات خيرا, ان شاء الله ؟
زينب و هي تبتسم في وجهها : خبرا إن شاء الله , استغرقت بالنوم كثيرا لقد كنت مرهقة جدا .
مريم : ابعد الله عنك كل سوء يا زينب
زينب و بابتسامة عذبة : عنا و عن جميع سائر المسلمين و المسلمات إن شاء الله.
زينب الآن بمدرستها الإعدادية و تترقب بفارغ الصبر عامها الجديد, انتهى العام الدراسي و كانت النتائج تبشر بالخير و الحمد لله , و حازت زينب على المركز الأول على طالبات فصلها و مريم المركز الثاني , رغم ذلك لم تكن زينب سعيدة بل كانت مكتئبة ,
مريم و هي تجلس بجانب زينب في غرفتها المتواضعة , مريم مطرقة الرأس و هي حزينة على حال صديقتها: ماذا بك يا زينب لماذا كل هذا الحزن ؟
زينب و الدموع تترقرق في عينيها كالدر في بحر متموج متلألئ : لا اعرف ما الذي أصابني يا مريم , خوف من المستقبل لربما أو قلق من القادم , لا اعرف
مريم : لا تبكي يا زينب أنا أختك و مهما حصل لن أتخلى عنك
زينت: الحمد لله الذي وهبني صديقة و أختا طيبة و صادقة من كل جوارحها
مريم: الآن اخبريني مم تخافين يا زينب
زينب : أخاف يامريم من حلمي , من حلم أن أصبح طبيبة و لا أقوم بواجبي على أكمل وجه , لا أريد أن أعذب غيري لا أريدهم أن يتألموا
مريم : ما هذا القول يا زينب أنا واثقة منك و أظنك ستقومين بكل ما عليك فعله دون خوف., و اعلمي أن الله تعالى معنا و الله لا يضيع اجر من أحسن عملا , و الله هوخلاصنا و عليك بالتوجه بالدعاء له .
زينب : صدقت يا مريم لن ادع الخوف يحتويني , و لا تقلقي لن أتخلى عن الدعاء و الله معي.
تمر الأيام و الأشهر و السنين , ها هي الطبيبة زينب تعالج مريضا لها و مريم تعاونها , و كلتاهما يعملان بشغف و دقة و مهارة ,
يتقدم إليهما مدير المستشفى : ما شاء الله أرجو من الله أن يمدكما بالخير و السعادة , مريم و زينب أنتما تعلمان إنكما طبيبتان تعملان بكل إخلاص و صدق , فأرجو أن تواظبا على هذا العمل
أجابت مريم و زينب: إن شاء الله
المدير بتفكير : لربما يتعين علينا أن نوظف إحداكما في قسم الطوارئ , ما رأيك يا زينب؟
زينب بذهول: نعم يا سيدي
المدير : أفكر في تعيينك قسم الحوادث و الحالات الطارئة , ما رأيك؟
زينب من دون تفكير : نعم , نعم كما تريد سيدي
و ينصرف المدير و كلتاهما منصدمتان من الخبر
مريم بحزن و خوف: استتخلين عن يا زينب
زينب بسرعة: لا لن أتخلى عنك , هذا القدر و لا اعتراض عليه
مريم بتردد: و لكن لن أكون معك بنفس القسم
زينب براحة: لا تقلقي يا مريم,ماهي الا بضعة خطوات
مريم : حسنا
عينت زينب بقسم الحالات الطارئة وزينب بقسم الأطفال , لم تنقطع أواصر المحبة والصداقة بين مريم و زينب, و ظلتا كالنحلة المتغذية على رحيق الزهر و الزهرة المرتقبة النحلة لتتنشق رحيقها و تحمل عنها العبء ,
و جاء اليوم المشئوم اليوم الغير محتسب له , تدخل زينب و الدموع تغطي وجهها المصدوم , لترى زهرتها و أختها و رفيقة دربها مريم , على سرير ابيض مشبع بدم مريم النقي الصافي و الأجهزة حولها , كأنها مخلوقات غريبة و الأطباء يركضون ذهابا وإيابا , زينب بصوت مكسور: مريم هل تسمعينني , مريم؟؟
نعم , رحلت مريم و لم تبق سوى الذكرى , لا نستطيع الاعتراض لان الموت حق علينا و لا بد لكل حي أن يموت .
تخلت زينب عن حلمها و لا تزال اليوم تلوم نفسها , لأنها لم تساعدها لأنها لم تكن بجانبها لأنها لم تستغل حلمها بما ينفع غيرها , ربما نسيت زينب أنها ساعدت الكثير من الناس و لكنها لا تشعر الآن بشيء سوى الفراغ .
تسمع صوتها و تشعر بوطء قدميها و رائحته وردها المفضل الياسمين . كم كانت مريم تحب الياسمين , تخلت زينب عن حلمها وحلم الطفلة بداخلها.
ارجوا أن تستفيدوا و تأخذوا العبرة و الموعظة, من خلال هذه القصة القصيرة , تعلمت منها أنا شخصيا : الصداقة و الإخوة الصادقة , الاجتهاد بالعمل و طلب العلم , الحياة فيها المر و الحلو و الإنسان لابد أن يرتشف من كلاهما رشفة قد تغير حياته للأسوأ و لربما الأفضل ,الأخلاق الحسنة و تأثيرها عن الناس, الطموح و القتال لأجله, حب الله تعالى و التوكل عليه و في النهاية الموت و هو حق علينا جميعا , لذا اعمل خيرا لتلق خيرا و الإنسان لا يقاس بماله بل بعقله و أخلاقه ومدى طاعته لله تعالى.
النهاية
